ما هي لائحة الإعانات الأجنبية؟
كما أوضحنا في مقالنا السابق، تُعدّ لائحة الإعانات الأجنبية ("FSR") نظامًا جديدًا ضمن قانون المنافسة يمنح المفوضية الأوروبية صلاحيات واسعة للتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الشركات التي تحصل على دعم مالي منخارج نطاق قانون المساعدات الحكومية للاتحاد الأوروبي. قد تُتيح هذه المساعدات المالية غير الخاضعة للقانون ميزة تجارية غير عادلة لهذه الشركات داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
إن الهدف المعلن لهذا القانون الجديد هو ضمان تكافؤ الفرص بين الشركات التجارية داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. على وجه التحديد، تخضع الإعانات المقدمة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لقواعد المساعدات الحكومية الصارمة في الاتحاد الأوروبي، في حين لا تخضع الإعانات وغيرها من أشكال الدعم المالي التي تقدمها دول خارج الاتحاد الأوروبي لمثل هذه القواعد الصارمة.
تُعرّف لائحة الإعانات الأجنبية "الإعانة الأجنبية" على أنها "أي مساهمة مالية تقدمها دولة خارج الاتحاد الأوروبي، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى شركة تمارس نشاطًا اقتصاديًا داخل السوق الداخلية للاتحاد، وذلك عندما تُمنح هذه المساهمة فوائد محددة لشركة أو مجموعة من الشركات أو لقطاع معين من القطاعات".
ولذلك، فإن معايير تحديد الإعانة الأجنبية تحمل بعض أوجه التشابه مع معايير تحديد المساعدة الحكومية بموجب المادة 107(1) من المعاهدة المنظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي مع ذلك، تُطبق هذه المعايير على المساعدة المالية المقدمة من كيانات خارج الاتحاد الأوروبي، وتشمل نطاقًا أوسع من التدابير، حيث تُستخدم مصطلح "المساعدة المالية" بدلاً من "الإعانة".
تتمتع المفوضية الأوروبية بصلاحيات التحقيق التالية بموجب لائحة الإعانات الأجنبية:
• صلاحية التحقيق في عمليات الاندماج والاستحواذ التي يجب الإخطار بها وتنطوي على تلقي الأطراف المعنية مساهمات مالية من دول خارج الاتحاد الأوروبي.
• صلاحية مراجعة العطاءات المقدمة في إطار المناقصات العامة، وذلك عندما تبلغ قيمة العقد المُقدّر 250 مليون يورو على الأقل، ويكون مقدم العرض قد تلقى مساهمات مالية لا تقل عن 4 ملايين يورو من دول خارج الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الثلاث الماضية.
• آلية عامة للتحقيق في السوق تمكِّن المفوضية الأوروبية من التحقيق في المواقف التي تثير مخاوف بشأن احتمالية تأثير الإعانة الأجنبية في عمل الشركات التي تم تأسيسها أو تزاول نشاطها داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
تحدد لائحة الإعانات الأجنبية أيضًا متطلبات الإخطار الإلزامي في الحالات التي تنطوي على "تركيزات" محددة من الإعانات الأجنبية في المعاملات. فيما يتعلق بعمليات الاندماج والاستحواذ، يلزم الإخطار إذا كانت ثمة مساهمة مالية من مصادر عامة من خارج الاتحاد الأوروبي لا تقل قيمتها عن 50 مليون يورو وكان حجم مبيعات الشركة الخاضعة للاستحواذ يتجاوز 500 مليون يورو.
وعلى نحو مماثل، ثمة التزام ينشأ فيما يتعلق بالمشتريات العمومية للاتحاد الأوروبي. إذا تلقى مقدم العرض أو مجموعته إعانة أجنبية لا تقل قيمتها عن 4 ملايين يورو خلال السنوات الثلاث الماضية، وكانت القيمة المقدَّرة للمشتريات تبلغ 250 مليون يورو أو أكثر، يجب على مقدم العرض الكشف عن تفاصيل الإعانات الأجنبية المستلمة ذات الصلة. ويجب تقديم هذا الكشف إلى سلطة الشراء ومن ثم تمريره إلى المفوضية الأوروبية. قد يؤدي عدم تقديم مثل هذا الكشف إلى الاستبعاد من المشاركة في عملية تقديم العطاءات.
التحقيق الأول في الإعانات الأجنبية للاتحاد الأوروبي
في فبراير 2024، أعلنت المفوضية الأوروبية عن أول تحقيق لها بموجب لائحة الإعانات الأجنبية للاتحاد الأوروبي للنظر في مزاعم حصول شركة تابعة لشركة تصنيع قاطرات صينية حكومية على ميزة غير عادلة من خلال الإعانات الأجنبية في عطاء لنقل السكك الحديدية في بلغاريا. وقد تم لفت انتباه المفوضية الأوروبية إلى هذه الإشكالية المحتملة من قِبل وزارة النقل والاتصالات البلغارية التي تلقت إعلانًا من مقدم العرض وأحالت الأمر بعد ذلك إلى المفوضية الأوروبية للنظر فيه. وبعد بدء التحقيق، انسحب مقدم العرض المعني من منافسة عملية الشراء ذات الصلة، وأعلنت المفوضية الأوروبية في وقت لاحق إغلاق التحقيق في هذه القضية وفقًا لذلك. وبالتالي، تؤكد هذه الحالة بالفعل أن استخدام الصلاحيات الراهنة التي تمنحها لائحة الإعانات الأجنبية قد أدى إلى الانسحاب من عملية شراء مهمة لمقدم عرض مدعوم من خارج الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ربما يكون قد غيّر نتيجة عملية الشراء هذه.
أول عملية تفتيش مباغتة بموجب لائحة الإعانات الأجنبية للاتحاد الأوروبي
قامت المفوضية الأوروبية، في 23 أبريل 2024، بشن أول مداهمة مفاجئة لها بموجب لائحة الإعانات الأجنبية. لم تكشف المفوضية عن هوية الشركة المستهدفة أو الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تم فيها إجراء المداهمة، لكنها ذكرت أن التحقيق شمل مسؤولين من هيئة تنظيم المنافسة الوطنية وأن الشركة المستهدفة تنتج وتبيع المعدات الأمنية.
أفادت التقارير لاحقًا أن الشركة المستهدفة هي Nuctech، وهي شركة مملوكة للصين تزاول نشاطها في روتردام بهولندا ووارسو ببولندا، وهي متخصصة في ماسحات التفتيش الأمني للمطارات والموانئ. وأصدرت الشركة بيانًا أكدت فيه أن "شركة Nuctech تتعاون مع المفوضية الأوروبية وتلتزم بالدفاع عن سمعتها ككيان اقتصادي مستقل تمامًا ومكتفٍ بذاته".
وانتقدت غرفة التجارة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي هذا الإجراء، وحثّت المفوضية الأوروبية على "وقف إساءة استخدام أدوات لائحة الإعانات الأجنبية". ردًا على ذلك، أصدرت المفوضية الأوروبية بيانًا أشارت فيه إلى أن "لديها دلائل تشير إلى أن الشركة الخاضعة للتفتيش ربما تكون قد تلقت إعانات أجنبية قادرة على الإخلال بتوازن السوق الداخلية وفقًا للائحة الإعانات الأجنبية".
شركة Nuctech ترفع دعوى قضائية
في أواخر مايو 2024، تقدمت شركة Nuctech بدعوى قضائية أمام المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي. تهدف الدعوى إلى الطعن في قرار المفوضية الأوروبية بإجراء تفتيش على مقر الشركة، وطلب تعليق التحقيق الجاري. يمثل هذا الاستئناف أمام المحكمة العامة سابقة هامة، حيث سيكون أول مرة ينظر فيها القضاة في تطبيق لائحة الإعانات الأجنبية. تم تسجيل القضية تحت عنوان Nuctech Warsaw Company Limited and Nuctech Netherlands v Commission T-284/24 (شركة Nuctech وارسو المحدودة وشركة Nuctech هولندا ضد المفوضية الأوروبية T-284/24).
إن تعامل المحكمة مع هذه القضية سيوفر نظرة ثاقبة حول جانب رئيسي من التشريع، وهو مدى إلزام الشركات بالكشف عن تفاصيل الدعم الحكومي الذي تتلقاه.
بموجب قانون الاتحاد الأوروبي، تتمتع المفوضية عادةً بالقدرة على الوصول إلى المعلومات في ولايات قضائية أخرى، خاصة أن المستندات الرقمية يمكن الوصول إليها غالبًا من داخل الاتحاد الأوروبي حتى عندما يتم الاحتفاظ بها خارجه. ولكن في هذه الحالة، يبدو أن المفوضية تسعى إلى الحصول على معلومات تتعلق بالحكومة الصينية، التي قد يتعذر على شركة Nuctech الكشف عنها. ويرى لويس كروفتس وتونو جيل من شركة MLex أن هذا بمثابة اختبار مهم للنظام الجديد، ويصرحان بأن "جميع حالات إنفاذ لائحة الإعانات الأجنبية حتى الآن لم تستهدف سوى شركات مدعومة من الصين، وفي حالة عدم تقديم تفاصيل حول الطبيعة المحددة للإعانات المقدمة من بكين، فقد تواجه عملية إنفاذ هذا القانون صعوبات".
من المرجح أن تواجه تحقيقات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإعانات (التجارية) مواقف مماثلة، حيث يتم استجواب الشركات المصدرة حول الحوافز المالية التي تتلقاها في بلد التصنيع. في مثل هذه الحالات، قد تُرسل استفسارات إلى حكومة بلد التصدير أيضًا. وإذا لم تقدم أي من الأطراف ردودًا كافية، كما هو الحال في قضايا مكافحة الإغراق، فمن المرجح أن تمضي المفوضية الأوروبية قدمًا "باستخدام أفضل الحقائق المتاحة"، حيث يُظهر أن عدم التعاون مع تحقيقات الاتحاد الأوروبي قد يُفضي إلى عواقب سلبية.
هل يتعين على جميع الشركات الدولية أن تكون على دراية بلائحة الإعانات الأجنبية؟
نعم، يقع على عاتق أي شركة تمارس أنشطة تجارية داخل الاتحاد الأوروبي وتتلقى دعمًا ماليًا من خارج الاتحاد مراقبة عملياتها لضمان الامتثال لقواعد "لائحة الإعانات الأجنبية" خاصةً فيما يتعلق بعمليات الاندماج والاستحواذ ذات الصلة و/أو المشاركة في المناقصات العامة. وتُشير القضية الأخيرة المتعلقة بحملة المداهمة المباغتة إلى أن المفوضية الأوروبية قد تُبادر بإجراء تحقيقات حول وجود إعانات أجنبية، وأن نتائج هذه التحقيقات قد تُؤثر على مسار عمل الشركات داخل الاتحاد الأوروبي، حتى لو لم تكن هذه الشركات مشاركة بشكل مباشر في عمليات الاندماج أو الاستحواذ.
يشمل ما ورد أعلاه الشركات التي تزاول أنشطتها داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى رابطة التجارة الحرة الأوروبية، بما في ذلك النرويج وسويسرا.
من الضروري التأكيد على أن نطاق تطبيق "لائحة الإعانات الأجنبية" الجديدة لا يقتصر على الشركات الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي ذات المقر الرئيسي في الدول الكبرى مثل الصين فقط، بل يشمل أيضًا الشركات العاملة داخل الاتحاد الأوروبي التي تتلقى دعمًا ماليًا من حكومات المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية واليابان، وغيرها من الدول الواقعة خارج الاتحاد الأوروبي.
الخاتمة
يتعين أن تكون هذه المداهمة المباغتة الأولى التي تم شنها بموجب لائحة الإعانات الأجنبية للاتحاد الأوروبي بمثابة تحذير لجميع الشركات التي تلقت دعمًا ماليًا من خارج الاتحاد الأوروبي وتزاول نشاطها داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
تشير قضية شركة Nuctech إلى أن المفوضية تستخدم صلاحيات التحقيق العامة التي تمنحها إياها لائحة الإعانات الأجنبية في هذه القضية، وليس بالضرورة بسبب عملية اندماج أو شراء. يُعدّ هذا الأمر هامًا، حيث يُسلط الضوء على إمكانية استخدام المفوضية لصلاحياتها بموجب اللائحة على نطاق أوسع، استنادًا إلى سلوك الشركات المدعومة، حتى لو لم تكن هذه الشركات مُشاركة بشكل مباشر في عمليات اندماج محددة أو مناقصات عامة واسعة النطاق.
يمكن أن تكون لهذا الأمر عواقب بعيدة المدى؛ لأنه يعني أنه كلما بدا أن شركة تزاول نشاطها داخل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تقوِّض بشكل كبير المنافسة القائمة في الاتحاد الأوروبي بطرق لا يمكن تفسيرها بشكل واضح، فقد تنشأ شكوك حول حصولها على إعانات من بلد خارج الاتحاد الأوروبي لتمكينها تجاريًا. وبمرور الوقت، سيكون من المثير للاهتمام ملاحظة مستوى الأدلة التي تحتاج إليها المفوضية لمباشرة التحقيق من حيث إثبات (1) وجود إعانة أجنبية ذات صلة؛ و(2) استخدامها للإخلال بتوازن المنافسة في الاتحاد الأوروبي. وهذا يمنح الشركات التي تزاول نشاطها داخل الاتحاد الأوروبي أداة بالغة التأثير عندما تواجه منافسة صعبة داخل أسواق الاتحاد الأوروبي من المشغلين المدعومين من خارج الاتحاد الأوروبي.
قد يترتب على قرار المحكمة العامة في هذه القضية الأولى آثار بعيدة المدى، حيث يحتمل أن يحدّ فعليًا من قدرة المفوضية الأوروبية على استخدام هذه الأداه ومن سلطتها التقديرية.
إذا كانت لديك أي مخاوف بشأن معاملة معينة أو أنشطة أخرى تعتقد أنها قد تتأثر بلائحة الإعانات الأجنبية للاتحاد الأوروبي، فنحن على أهبة الاستعداد لتقديم المشورة.